فصل: ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة ست وعشرين وسبعمائة

أوكان أول محرم يوم الأحد وهو الموافق لثامن كانون الأول‏.‏

وفيهـا فـي منصـف ربيـع الآخـر الموافـق لحـادي وعشريـن آذار خرجـت بعسكـر حمـاة ووصلت إلى القناة الواصلة من سلمية إلى حماة وقسمتها على الأمراء والعسكر لينظفوها فإنها كانـت قـد آلـت إلى التلف بسبب ما اجتمع فيها من الطين فحرروها في نحو أسبوع ثم عدت إلى حماة‏.‏

وفيها وصل الأمير سيف الدين أتامش متوجهاً رسولاً إلى أبي سعيد وجوبان وكان صحبته تقدمة جليلة للمذكورين وكان عبوره على حماة وتوجهه إلى البلاد الشرقية منها في سادس جمادى الأولى وتاسع أيار‏.‏

وفيها في أوائل جمادى الآخرة عزل السلطان الأمير شهاب الدين قرطاي من نيابـة السلطنـة بالسواحـل وولـى مكانـه الأميـر سيـف الديـن طينـال الحاجـب وكـان وصـول طينال إلى تلك الجهة في سادس وعشرين الشهر المذكور‏.‏

وفيها يوم الاثنين سادس عشر جمادى الآخرة وتاسع عشر أيار وكانت وفاة مملوكي طيدمر وكان المذكور قد صار أميراً كبيراً عندي وكان مريضاً بالسل مدة طويلة وجرى علي لفقده أمر عظيم رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها وصل رسول جوبان وصحبته طاي بضا قرابة السلطان وكان عبوره على حماة في منتصف جمادى الآخرة‏.‏

وفيهـا في ثامن عشر شعبان عاد سيف الدين من الأردو وعبر على حماة وتوجه إلى الأبواب الشريفة‏.‏

وفيهـا فـي شعبـان حضـر نجـم الديـن صاحـب حصن كيفا متوجهاً إلى الحجاز ثم بطل المسير إلى الحجـاز وسـار إلـى عند السلطان إلى مصر فأنعم عليه السلطان وأعاده فعبر على حماة وتوجه إلى حصن كيفا‏.‏

وفيها حال وصوله إليها قتله أخوه وكان أخـوه مقيمـاً هنـاك وملـك أخـوه الحصـن والمذكـوران من ولد تورانشاه ابن الملك الصالح أيوب ابن الكامل ابن العادل ابن أيوب‏.‏

وفيها أمر السلطان بطرد مهنا وعربه وأمرني بإرسال عسكر إلى الرحبة لحفظ زرعها مـن المذكورين فجردت إليها أخي بدر الدين ومحموداً ابن أخي واسنبغا مملوكي فساروا إليها بمن فـي صحبتهـم فـي مستهـل شهـر رمضـان ووصلـوا وأقامـوا بهـا وعـادوا إلى حماة في حادي وعشرين ذكر وفاة أخي بدر الدين حسن رحمه الله تعالى‏:‏ في هذه السنة مرض أخي حسن عند وصوله من الرحبة واشتد مرضه وكاد مرضه حمى بلغمية وتوفي نهار الثلاثاء مستهل ذي الحجة وكان عمره يوم وفاته سبعاً وخمسين سنة وكان أكبـر منـي بثلـاث سنيـن وخلـف ابنين طفلين وبنتين وأعطيت أمريته لابنه الطفل وعمره نحو ثلاث سنين وأقمت لهم نواباً يباشرون أمورهم ثم مرض محمود ابن أخي أسد الدين عمر وابتدأ مرضـه يـوم مـوت أخي حسن وقوي مرضه حتى توفي محمود المذكور يوم الأحد ثالث عشر ذي الحجة من السنة المذكورة وكان بينه وبين وفاة عمه بدر الدين حسن المذكور ثلاثة عشر يوماً وكان عمر محمود عند وفاته نحو ست وثلاثين سنة‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وعشرين وسبعمائة

فيها عزل السلطان نائبه المقر السيفي أرغون من نيابة السلطنة بمصر وأرسله إلى حلب نائباً بها بعد عزل الطنبغا منها وكان عبور المقر السيفي أرغون المذكور على حماة يوم الثلاثاء سـادس وعشريـن المحـرم الموافـق لثامـن وعشريـن كانـون الـأول وكانـت الأمطـار في هذه السنة وفيها تصدق السلطان وأرسل لي حصانين من خيل برقة أحدهما بسرج ذهب لي والآخر بسرج فضة لابني محمد ووصل بهما أميـر آخـور دقمـاق وركبناهما يوم الخميس ثالث عشر رجب الفرد الموافق لرابع حزيران‏.‏

وفيها في يوم السبت ثالث عشر شعبان حضر من الأبواب الشريفة الأمير علاء الدين قطلوبغا المعروف بالمغربـي وصحبته رسولا جوبان وهما أسندمر وحمزة وتوجه بهما وصلهما إلى البيرة مكرمين ثم عاد قطلوبغا المغربي المذكور إلى حماة وتوجه إلى الأبواب الشريفة وتوفي عند وصوله‏.‏

وفيها بعد وصول المقر السيفي أرغون إلى حلب وتوفي ابنه الكبير ناصر الدين محمد بـن أرغون وكان أميراً كبيراً في الدولة وكان وفاته يوم الأربعاء سابع عشر شعبان المذكور‏.‏

ذكر أخبار أبي سعيد وجوبان وكان أبو سعيد ملك التتر صبيا عند موت أبيه خربندا فقام بتدبير المملكة جوبان ولم يكن لأبـي سعيـد معـه من الأمر شيء حسبما تقدم ذكره ولما كبر أبو سعيد ووجد أن الأمر مستبد به جوبان وليس له معه حكم أضمر لجوبان السوء وكن جوبان قد سلم الأردو لابنه خواجا دمشق فحكم خواجا دمشق على أبي سعيد فاتفق في هذه السنة أن جوبان سار بالعساكر إلـى خراسـان واستمـر ابنـه خواجـا دشق حاكماً في الأردو وكان الأردو إذ ذاك بظاهر السلطانية وكان خواجا دمشق يروح سراً بالليل إلى بعض خواتين خربندا فلما خـرج شهـر رمضان من هذه السنة ودخل شوال وتوجه خواجا دمشق في الليل ودخل القلعة ونام عند تلك الخاتون وكان هناك امرأة أخرى عيناً لأبي سعيد عليها فأرسلت تلك المرأة وخيرت أبا سعيد بالخبر واسم المرأة التي هي عين أحجل‏.‏

ولقلعة السلطانية بابان فأرسل أبو سعيد عسكراً ووقفوا على الباب وأحـس خواجـا دمشـق بذلـك فحمـل وخـرج مـن البـاب الواحـد فضربوه وأمسكوه وقصدوا إحضاره ممسوكاً بين يدي أبي سعيد فأرسل أبو سعيد وقال لهم اقطعوا رأسه وأحضروه فقطعوا رأس خواجا دمشـق المذكـور وأحضـروه إلـى بيـن يـدي أبـي سعيد وبقي المغل يرفسون رأسه وجمع أبو سعيد كل مـن قـدر عليـه وخـاف مـن جوبـان وأرسـل إلـى العسكـر الذي مع جوبان فيهم بأنه قد عادى جوبان ولما بلغ جوبان ذلك سار من خراسان بمن معه من العسكر طالباً أبا سعيد وسار أبو سعيد إلـى جهتـه حتـى تقـارب الجمعان عند مكان يسمى صاري قماش أي القصب الأصفر وذلك على مراحل يسيـرة مـن الري ولما تقارب الجمعان فارقت العساكر عن آخرها جوبان ورحلوا عنه إلـى طاعـة أبـي سعيـد وذلـك في ذي الحجة من هذه السنة فلم يبق مع جوبان غير عدة يسيرة فابتدر جوبان الهـرب وقصـد نواحـي هـراة واختفـى خبره ثم ظهر في السنة الأخرى ثم عدم قيل إنه قتل بهراة قتله صاحبها وقيل غير ذلك وتتبع أبو سعيد كل من كـان فـي المملكـة مـن أولـاده والزامـه فأعدمهم واستقرت قدم أبي سعيد في المملكة وكان أبو سعيد يهوى بنت جوبان واسمها بغداد وكانت مزوجة للأمير حسن بن أقبغا وهو من أكبر أمراء المغلة فطلقها أبو سعيد منه وتزوجها أبو سعيد وبقيت عند أبي سعيد في منزلة عظيمة جداً‏.‏

ذكر سفري إلى الأبواب الشريفة في هذه السنة رسم السلطان لي بالحضور إلى أبوابه الشريفة لأكون في خدمته في صبوده فخرجت من حماة يوم الاثنين رابع ذي القعدة الموافق للحادي والعشرين من أيلول وأتممت السير أنا وابني محمد حتى وصلنا إلى بلبيس ونزلنا على عيثة وهي قرية خارج بلبيس من جهتها الجنوبية فمرض ابني محمد المذكور مرضاً شديداً وأرسل السلطان إلي خيلاً بسروجها لي ولابنـي ووصلنـي ذلـك إلـى بيـر البيضـا وأنـا فـي شـدة عظيمـة مـن الخـوف علـى ولـدي واستمـر مرضه يتزايـد والتقيـت بالسلطـان وقبلـت الـأرض بيـن يديـه يـوم السبت مستهل ذي الحجة بظاهر سرياقرس ونزلنا بسرياقوس والسلطان يبالغ في الصدقة بأنواع التشاريف والخيول والمآكل وأنا مشغول الخاطر وأقمنا بسرياقوس بالعمائر التي أنشأها السلطان هناك وأرسل السلطان أحضر رئيس الأطباء إذ ذلك‏.‏

وهو جمال الدين إبراهيم بن أبي الربيع المغربي فحضر إلى سرياقوس وبقي يساعدني على العلاج ثم رحل السلطان من سرياقوس ودخل القلعة وأرسل إلي حراقة فركبت أنا وابني محمد فيها وكان إذ ذاك يوم بحرانة يعني سابع أيام الرض وهو يوم الخميس سادس ذي الحجة ونزلت بدار طقزتمر على بركة الفيل وأصبح يوم الجمعة المرض منحطاً ولله الحمـد فإنـه أفسـح بالبحران المذكور وأقمت تحت ظل صدقات السلطان وبقي يحصل لي عوائق عـن ملازمـة خدمـة السلطـان بسبـب مـرض الولـد فـإن الحمـى بقيـت تعـاوده بعـد كـل قليـل والسلطـان يتصـدق ويعذرنـي في انقطاعي ويرسم لي بذلك رحمة منه وشفقة علي وبقي عنده من مرض ابني أمـر عظيـم وبقيـت أتـردد مـع السلطـان فـي هـذه النوبـة فـي الصيـف فـي أراضـي الجيـزة وأراضي المنوفية حتى خرجت هذه السنة‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمـان وعشرين وسبعمائة

وكان أول المحرم من هذه السنة يوم الاثنين وكنا بالقاهرة كمـا تقـدم وخلع علي السلطان في هذا اليوم قباً مذهباً بطرز ذهب مصري لم يعمل مثله في كبره وحسنه‏.‏

ذكر خروج السلطان إلى عند الأهرام ثم عدى السلطان إلى الجيزة ونزل عند الأهرام واستحضر هناك رسل أبي سعيد ووصلوا مبشرين بهروب جوبان ونصرة أبي سعيد عليه واستقراره في الملك وأنه مقيم على الصلح والمحبة وقصدوا مـن السلطـان استمرارالصلـح فاستحضـر السلطـان الرسـل عنـد الأهـرام فـي الدهليز الشريف وكان الدهليز جميعه جتره وشقته من أطلس معدني ونخ مذهب عال وكان ذلك يوم الأحد ثامن وعشرين لمحرم وثلاث عشر كانون الأول وكان الرسل ثلاثة نفر كبيرهـم شيخ كأنه كردي الأصل يسمى أرش بغا والثاني أياجي والثالث برجا قرابة الأمير بدر الدين جنيكـي وكـان يومـاً مشهـوداً وأنـزل السلطـان الرسل في خيمة أعدها السلطان لهم وأدر السلطـان عليهـم الإنعامـات الوافـرة وبالغ في الإحسان إليهم ثم إنه سفرهم وأنعم على كل من في صحبتهم من أتباعهـم وكانـوا نحـو مائـة نفـر وسافـر الرسـل المذكـورون مـن تحـت الأهـرام يـوم الأربعاء مستهل صفر ودخلوا القاهرة وتوجهوا منها عائدين إلى أبي سعيـد وهـم مغمـورون بصدقات السلطان ثم إن السلطان دخل إلى القلعة يوم الأحد ثاني عشر صفر وكانت غيبته نحـو خمسـة وثلاثين يوماً ثم خرجنا إلى سرياقوس يوم الخميس سلخ صفر وفي يوم الجمعة غد النهـار المذكـور خلـع علـي وعلـى ابنـي محمـد تشاريـف حسنـة فـوق العـادة وكذلـك أوصلنـا بالحوائص الذهب المجوهرة وبالقماش الفاخر مما يعمل للخـاص الشريـف بـدار الطـراز بالإسكندرية ووصلني من الصناقر والصقور والشواهين عدة كثير ثم وصلني بعد ذلك كله بثلاثـة آلـاف دينـار مصريـة ورسـم لـي بالدستـور والعـود إلـى بلادي فودعته عند بحر ابن منجا يوم السبت ثاني ربيع الأول وسرت حتى دخلت حماة يوم الجمعة بعد الصلاة ثاني وعشرين ربيع الأول من هذه السنة الموافق الخامس شباط‏.‏

وفيها قبل دخولي حماة توفيت والدتي رحمها الله تعالى يوم الخميس حادي وعشرين ربيع الـأول ورابـع شبـاط وكنـت إذ ذاك قريـب حمص فلم يقدر الله لي أن أراها ولا حضرت وفاتها وكانت من العبادة على قدم كبير‏.‏

وفيها بعد وصولي إلى حماة بمدة يسيرة أرسلت وطلبت من السلطان دستوراً لزيارة القدس الشريـف فرسـم لـي بالتوجـه إليه فخرجت من حماة يوم الثلاثاء سلخ جمادى الأولى الموافق لثاني عشر نيسان وتوجهت على بلد بارين إلى بعلبك إلى كرك نوح وانحدرت منها إلى الساحل ونزلت ببيروت وسرت منها إلى صيدا وصور ثم إلى عكا ثم إلى القدس وسرت إلى الخليل صلوات الله عليه ثم عدت إلى حماة ودخلتها يوم السبت خامس وعشرين جمادى الآخرة‏.‏

وفيهـا بعـد وصولـي مـن القـدس وصلنـي مـن صدقـات السلطـان علـى العادة في كل سنة من الحصن البرقية اثنان بالعدة الكاملة لي ولابني صحبة علاء الديـن أيدغـدي أميـر أخـور وركبناهمـا بالعسكر على العادة يوم ثاني عشر رجب من هذه السنة‏.‏

وفيها أرسلت التقدمة من الخيل وغيرها على عادتي في ذلك كل سنة صحبة لاجين وكان خروجه بها من حماة يوم السبت ثاني شعبان‏.‏

وفيهـا عبـر على حماة سيف الدين أروج رسولاً من السلطان وتوجه إلى أبي سعيد وكان ذلك فـي أواخـر ربيـع الـأول ثـم عـاد بعـد أن أدى الرسالـة وعبـر على حماة في سادس عشر شعبان من هذه السنة متوجهاً إلى الأبواب الشريفة‏.‏

ذكر أخبار تمرتاش بن جوبان كان تمرتاش المذكور في حياة أبيه جوبان قد صار صاحب بلاد الروم واستولى على جميع بلادها من قونية إلى قيسارية وغيرهما من البلاد المذكورة فلما انقهر أبوه وهرب كما ذكرناه ضاقت بتمرتاش المذكور الأرض ففارق بلاده وسار في جمع يسير نحو مائتي فارس أو أقل أو أكثر إلى الشام ثم سار منها إلى مصر إلى صدقات السطان وكانت نفس المذكور كبيرة جداً بسبـب كبـر أصلـه فـي مغـل وكبـر منصبـه ولم يكن له عقل يرشده إلى أن يجعل نفسه حيث جعله اللـه تعالـى ووصـل المذكور إلى صدقات السلطان بالديار المصرية في العشر الأول من ربيع الأول فتصدق عليه السلطان وانعم عليه الإنعامات الجليلة وأعرض عليه إمرية كبيرة وإقطاعاً جليلاً فأبى أن يقبل ذلك وأن يسلك ما ينبغي واتفق أن الصلح قد انتظم بين السلطـان وبيـن أبـي سعيد وكان أبو سعيد يكاتب ويطلب تمرتاش المذكور بحكم الصلح وما استقر عليه القواعد فرأى السلطان من المصلحة إمساك تمرتاش المذكور وانضم إلى ذلك ما بلغ السلطان عنده أنه أخذ أموال أهل بلاد الروم وظلمهم الظلم الفاحش فأمسكه السلطان واعتقله في أواخر شعبان من هذه السنة ثم حضر أباجي رسول أبي سعيد فبالغ في طلب تمرتاش المذكور فاقتضت المصلحـة إعدامـه فأعـدم تمرتـاش المذكـور فـي رابـع شـوال مـن هـذه السنة بحضرة أباجي رسول أبي سعيد‏.‏

وفيهـا وصـل أباجـي رسـول أبـي سعيـد وعبـر علـى حمـاة فـي أواخر شعبان وصحبته أرلان قرائب والدة السلطان وتوجه إلى الأبواب الشريفة بسبب تمرتاش وكان من أمره ما شرح وعاد أباجي رسـول المذكـور مـن الأبـواب الشريفـة وعبـر علـى حماة في التاسع عشر من شوال وتوجه إلى جهة أبي سعيد‏.‏

وفيها يوم الأحد تاسع عشر ذي القعدة توفي مملوكي أسنبغا وكان قد بقي من أكبـر أمـراء عسكر حماة رحمه الله‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وعشرين وسبعمائة

وكانت غرة المحرم من هذه السنة يوم الجمعة رابع تشرين الثاني ولم يبلغني في أوائلها ما يليق أن يؤرخ والله أعلم‏.‏

ذكر أخبار الصبي صاحب سيس فـي هـذه السنـة اشتـد الصبـي صاحب سيس وهو ليفون بن أوشين وكان الحاكم عليه صاحب الكـرك - بكافيـن الأولـى مفتوحـة وبينهمـا راء مهملـة ساكنـة - وهـي قليعـة قريـب البحر في أطراف بلد سيس من جهة الغرب والشمال وهي تتاخم بلاد ابن قرمان وكان صاحب الكرك المذكور قـد استولـى علـى مملكـة صاحـب سيس بحكم صغر الصبي المذكور فلما كانت هذه السنة قوي الصبي وقتل صاحب الكرك وأخاه بعده وأرسل رأس صاحب الكرك إلى السلطان فأرسل السلطان تشريفاً وسيفاً وفرساً بسرجه ولجامه مع الأمير شهاب الدين أحمد المهمندار بالأبواب الشريفة فتوجه شهاب الدين بذلك إلى الصبي صاحب سيس فلبى صاحب سيس الخلعة وشذ السيف وقبل الأرض وركـب الفـرس المتصـدق بـه عليـه وقويـت نفسـه بذلـك وأوصـل شهـاب الديـن المهمنـدار المذكور أنعاماً كثيراً وعماد شهاب الدين إلى الأبواب الشريفة وعبر على حماة متوجهاً إلى الأبواب الشريفة يوم الخميس ثاني عشر جمادى الآخرة‏.‏

وفي هذه السنة وصلني من صدقات السلطان من الحصن البرقية اثنان بالعدة الكاملة صحبة علاء الدين أيدغي أمير أخور لي ولابني محمد وركبنا الموكب بهما نهار الاثنين سابع رجب وفي هذه السنة أرسل السلطان إلى المقر السيفي أرغون النائب بحلب وأمره بالحضور إلى الأبواب الشريفة فسار المذكور من حلب وتوجه إلى الديار المصرية وحضر بين يدي السلطان وشمله بأنواع الصدقات والتشاريف وبقي مقيماً في الخدمة الشريفة نحو نصف شهر وما يزيد على ذلك ثم أمره بالعود إلى النيابة بالمملكة الحلبية فعاد إليها وعبر على حماة يوم الخميس حادي عشر رجب وكنت قد خرجت إلى تلقيه ولقيته بين حمص والرستن وبت عنده يوم الخميـس بالرستـن ودخل حماة يوم الجمعة وصلى وسافر إلى حلب‏.‏

وفي هذه السنة في الليلة المسفرة عن نهار الاثنين الثالث والعشرين من رجب وتاسع عشر أيار ولد لولدي محمد ولداً ذكراً وكان ذلك وقت المسبح من الليلة المذكورة وسميته عمر بن محمد‏.‏

وفـي هـذه السنـة كـان قـد توجـه على الرحبة رسول أبي سعيد وهو رسول كبير يسمى تمر بغا وحضـر بيـن يـدي السلطـان وكـان حضـوره بسبـب أن أبـا سعيد سأل الاتصال بالسلطان وأن يشرفه السلطان بأن يزوجه ببعض بناته ووصل مع الرسول المذكور ذهب كثيراً لعمل مأكول وغيره يوم العقد فأجابه السلطان بجـواب حسـن وإن اللاتـي عنـده صغـار ومتـى كبـرن يحصـل المقصـود وفيها توفي بدمشق قاضي قضاتها وهو علاء الدين القزويني وكان فاضلاً في العلوم العقلية والنقليـة وعلـم التصـوف ولـه مصنفـات مفيـدة رحمه الله تعالى‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاثين وسبعمائة

فيها في المحرم توفي القاضي علاء الدين علي بن الأثير كان كاتب السر بمصر ثم فلج وانقطع فولـى مكانـه القاضـي محـي الديـن بـن فضـل اللـه وفيـه مات الشيخ فتح الدين بن قرناص الحموي ولي نظر جامع حماه وله نظم‏.‏

وفيه قدم قاضي القضاة علم الدين محمد بن أبي بكر الأخنائي صحبة نائب الشام عوضاً عن القونوي‏.‏

وفيه توفي الوزير الزاهد العالم أبو القاسم محمد بن الوزير الأزدي الغرناطي بالقاهرة قافلاً من الحج بلغ من الجاه ببلده إلى أنه كان يولي في الملك ويعزل وكان ورعاً شريف النفس عاقلاً أوصى أن تبع ثيابه وكتبه ويتصدق بها‏.‏

وفيها في صفر مات بدمشق سيف الدين بهادر المنصوري بداره وشيعه النائب والأعيان‏.‏

وفيه مات مسند العصر شهاب الدين أحمد بن أبي طالب الصالحي الحجازي ابـن شحنـة الصالحية توفي بعد السماع عليه بنحو من ساعتين كان ذا دين وهمة وعقل وإليه المنتهى في الثبات وعدم النعاس وحصلت له للرواية خلع ودراهم وذهب وإكرام وشيعه الخلق والقضاة وفيه توفي قاضي القضاة فخر الدين عثمان بن كمال الدين محمد بن البارزي الحموي الجهني قاضي حلب فجأة بعد أن توضأ وجلس بمجلس الحكم ينتظر إقامة العصر حج غيـر مـرة وكان يعرف الحاوي في الفقه‏.‏

وشرحه في ست مجلدات وكان يعرف الحاجبية والتصريف وكان فيه دين وصداقة رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها في ربيع الآخر تولى قضاء القضاة بحلب القاضي شمس الدين محمد بن النقيب نقل من طرابلس وولي طرابلس كعده شمس الدين محمد بن المجد عيسى البعلي سار من دمشق إليها‏.‏

وفيها في جمادى الأولى أنشأ الأمير سيف الدين مغلطاي الناصري مدرسة حنفية بالقاهرة ومكتـب أيتـام‏.‏

وفيهـا فـي جمـادى الآخرة مات الأمير العالم سيف الدين أبو بكر محمد بن صلاح الدين بن صاحب الكرك بالجبل وكان فاضلاً شاعراً‏.‏

وفيه وصل الخبر بعافية السلطان من كسر يده فزينت دمشق وخلع على الأمراء والأطباء‏.‏

وفيه مات بمكة قاضيها الإمام نجم الدين أبو حامد‏.‏

وفيه مات الشيخ إبراهيم الهدمة وله كرامات وشهرة‏.‏

وفيه حضرت رسل الفرنج يطلبون بعض البلاد فقال السلطان ألولا أن الرسل لا يقتلون لضربت أعناقكم ثم سفروا‏.‏

وفيها في رمضان مات قاضي طرابلس شمس الدين محمد بن مجد الدين عيسى الشافعي البعلي وكان صاحب فنون قلت‏:‏ لقد عاش دهراً يخدم العلم جهده وكان قليل المثل في العلم والود فلما تولى الحكم ما عاش طائلاً فما هنئ ابن المجد والله بالمجد وفيه أنشأ الأمير سيف الدين قوصـون الناصـري جامعـاً عنـد جامـع طولـون عنـد دار قتـال السابع فخطب به أول يوم قاضي القضاة جلال الدين بحضور السلطان وقرر لخطابته القاضي فخر الدين محمد بن شكر‏.‏

وفيها في شوال مات رئيس الكحالين نور الدين علي بمصر‏.‏

وفيها احترقت الكنيسة المعلقة بمصر وبقيت كوماً‏.‏

وفيها قدم رسول صاحب اليمن بهدية فقيد وسجن لأن صاحب الهند بعث إلى السلطان بهدايا فأخذها صاحب اليمن وقتل بعض من كان معها وحبس بعضهم‏.‏

وفيهـا فـي ذي القعـدة مـات الأميـر عـلاء الديـن قلبـرس ابـن الأميـر علاء الدين طبرس بدمشق بالسهم وكان مقدم ألف وله معروف وخلف أموالاً‏.‏

ومات الأمير جف الدين كوليجار المحمدي‏.‏

وفيها بدمشق فـي ذي الحجـة مـات المعمـر المسنـد زيـن الديـن أيـوب بـن نعمـة وكانـت لحيتـه شعـرات يسيـرة وكـان كحالاً‏.‏

ومات بها أيضاً الصالح الزاهد الشيخ حسن المؤذن بالمأذنة الشرقية بالجامع وكان مجاوراً به‏.‏

ومات بدر الدين محمد بن الموفق إبراهيم بن داود بن العطار أخو الشيخ علاء الدين ببستانه وصلاح الدين يوسف بن شيخ السلامية صهر الصاحب وشيعه الخلق وفجع به أبواه وكان شاباً متميزاً من أبناء الدنيا المتنعمين‏.‏

  ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة

فيها وردت كتب الحجاج بما جرى بمكة شرفها الله تعالى حول البيت من ثورة عبيد مكة ساعة الجمعة بالوفد من النهب والجراحة وقتل جماعة من الحجاج وقتل أميـر مصـري وهـو أيدمر أمير جندار وابنه ولما بلغ السلطان ذلك غضب وجرد جيشاً من مصر والشام للانتقام من فاعل ذلك‏.‏

وفيها في المحرم أيضاً مات الأمير الكبير شهاب الدين طغان بن مقدم الجيوش سنقر الأشقر ودفـن بالقرافة جاوز الستين وكان حسن الشكل ومات الصالح كمال الدين محمد ابن الشيخ تاج الدين القسطلاني بمصر سمع ابن الدهان وابن علاق والنجيب وحدث وكان صوفياً‏.‏

وفيها في صفر مات قاضي القضاة عز الدين محمد ابن قاضي القضاة عز الدين سليمان بن حمزة الحنبلي بدمشق بالدير ومولده في ربيع الآخر سنة خمس وستين سمع من الشيخ وابن النجـاري وأبـي بكر الهروي وطائفة وأجاز له ابن عبد الدائم وكان عاقلاً ولي القضاء بعد ابن مسلم وحج ثلاث مرات‏.‏

وماتت أم الحسن فاطمة بنت الشيخ علم الدين البرزالي سمعـت الكثيـر مـن خلـق وحدثـت وكتبت ربعة وأحكـام ابـن تيميـة والصحيـح وحجـت وكانـت تجتهـد يـوم الحمـام أن لا تدخـل حتى تصلي الظهر وتحرص في الخروج لإدراك العصر رحمها الله تعالى‏.‏

وفيها في صفر أيضاً وصل نهر الساجور إلى نهر قويق وانصبا إلى حلب بعد غرامة أموال عظيمة وتعب من العسكر والرعايا‏.‏

بتولية الأمير فخر الدين طمان‏.‏

وفيها في ربيع الأول مات بحلب الأمير سيف الدين أرغون الناصري نائبها وخرجت جنازته بلا تابوت وعلى النعش كساء بالفقيري‏.‏

من غير نـدب ولا نياحـة ولا قطـع شعـر ولا لبـس جل ولا تحويل سرج حسبما أوصى به ودفن بسوق الخيل تحـت القلعـة وعملـت عليـه تربـة حسنـة ولـم يجعـل على قبره سقف ولا حجرة بل التراب لا غير وكان متقناً لحفظ القران مواظباً علـى التلـاوة عنـده فقـه وعلـم ويرد أحكام الناس إلى الشرع الشريف حتى كان بعض الجهال ينكر عليه ذلك وكتب صحيح البخاري بخطه بعد ما سمعه من الحجاز واقتنى كتباً نفيسة وكان عاقلاً وفيه ديانة رحمه الله‏.‏

وفيهـا فـي صفـر أيضـاً ولي قضاء الحنابلة بدمشق الشيخ شرف الدين ابن الحافظ واستناب ابن أخيه القاضي تقي الدين عبد الله بن أحمد ومات القاضي الفقيه الأديب ضياء الدين علي بن سليـم بن ربيعة الأذرعي الشافعي بالرملة ناب عن القاضي عز الدين بن الصائغ وناب بدمشق عن القونوي نظم التنبيه في الفقه في ستة عشر ألف بيت وشعره كثير‏.‏

مات الرئيس زين الدين يوسف بن محمد بن النصبي بحلب سمع من شيخ الشيوخ عز الدين مسند العشرة وحدث قارب الثمانين وفيها في ربيع الآخر مات الأمير سيف الدين طرشي الناصري بمصر أمير مائة حج غير مرة وفيه ديانة‏.‏

ومات الشيخ علاء الدين ابن صاحب الجزيرة الملك المجاهد إسحاق ابن صاحب الموصل لؤلؤ بمصر سمع جزء ابن عرفة من النجيب والجمعة من ابن علاق وكان جندياً له ميرة‏.‏

ومات بحلب نور الدين حسن ابن الشيخ المقري جمال الدين الفاضلي روى عـن زينـب بنـت مكي وكان كاتباً بحلب‏.‏

ومات الأمير علم الدين سنجر البرواني بمصر فجأة وكان أمير خمسين من الشجعان‏.‏

ومات الصالح المسند شرف الدين أحمد بن عبد المحسن بن الرفعة العدوي سمع وحدث‏.‏

ومات ليلة الجمعة تاسع وعشرين ربيع الآخر بدر الدين محمد بن ناهض إمام الفردوس بحلب ومات رئيس المؤذنين بجامع الحاكم نجم الدين أيوب بن علي الصوفي وكان بارعاً في فنه له أوضاع عجيبة وآلات غريبة‏.‏

وفيها في جمادى الأولى عاد الأمير علاء الدكن التنبغا إلى نيابة حلب وفرح الناس وأظهروا السرور‏.‏

وفيها حضر بمكة الأمير رميثة بن أبي نمي الحسني وقريء تقليده ولبس الخلعة بولاية مكة وحلف مقدم العسكر الذين وصلوا إليه والأمراء له بالكعبة الشريفة وكان كوما مشهوداً وكان وصول الجيش إلى مكة في سابع عشر ربيع الآخر‏.‏

وفيه مات الإمام الورع موفق الدين أبو الفتح الجعفري المالكي وشيعه خلق إلى القرافة وقارب السبعين ولم يحدث‏.‏

ومـات العـدل السـر برهـان الديـن إبراهيـم بـن عبـد الكريـم العنبـري باشـر الصدقـات والأيتـام والمساجد وهو خال ابن الزملكاني‏.‏

ومـات القاضي تاج الدين بن النظام المالكي بالقاهرة ومات أبو دبوس المغربي بمصر قيل إنه ولي مملكة قابس ثم أخذت منه فترح فأعطي إقطاعاً في الحلقة‏.‏

وفيها في جمادى الآخرة مات القاضي التاج أبو إسحاق عبد الوهاب بن عبد الكريم وكيل وفيه وصل إلى دمشق العسكر المجرد إلى مكة ومقدمهم الجي بغا غابوا خمسة أشهر سوى أربعـة أيـام وأقامـوا بمكة شهراً ويوماً وحصل بهم الرعب في قلوب العرب وهرب من بين أيديهم عطيفة والأشراف بأهلهم وثقلهم وعوض عن عطيفة بأخيه رميثة وقهر مكانه‏.‏

ومات الأمير حسام الدين طرنطاي العادلي الدوانداري بمصر وكان ديناً وله سماع‏.‏

ومات المجد بن اللغينة ناظر الدواوين بالقاهرة‏.‏

ومـات الرئيـس تـاج الديـن بـن الدماملـي كبيـر الكرامية بمصر قيل ترك مائة ألف دينار‏.‏

ووصل الحاج عمر بن جامع السلامي إلى دمشق من إصلاح عين تبوك جمع لها من التجار دون عشرين ألفا وأحكمت‏.‏

وفيهـا فـي رجـب مات بمصر العلامة فخر الدين عثمان لن إبراهيم التركماني سمع من الأبرقوهي وشرح الجامع الكبير وألقاه في المنصورية دروسـاً وكـان حسـن الأخلـاق فصيحـاً ودرس بهـا بعده ابنه‏.‏

ومات بمصر القاضي جمال الدين بن عمر البوزنجي المالكي معيد المنصورية‏.‏

وفيها فـي شعبـان كـان بدمشـق ريـح عاصفـة حطمـت الأشجـار ثـم وقـع فـي تاسعـه بـرد عظيـم قـدر البندق‏.‏

وفيه جاء من الكرك الملك أحمد ابن مولانا السلطان الملك الناصر وختن بعد ذلك بأيام وأنفذ إلى الكرك أخ له اسمه إبراهيم‏.‏

ومـات سيـف الديـن كشتمـر الطباخـي الناصـري بمصر كهلاً تفقه لأبي حنيفة وكان ديناً وأحدثـت بالمدرسـة المعزيـة علـى شاطـئ النيل الخطبة وخطب عز الدين عبد الرحيم ابن الفرات حين رتب ذلك سيف الدين طقز دمر أمير الجيش‏.‏

وفيهـا فـي رمضان قدم دمشق العلامة تاج الدين عمر بن علي اللخمي بن الفاكهاني المالكي من الإسكندرية لزيارة القدس والحج فحدث ببعض تصانيفـه وسمـع الشفـاء وجامـع الترمـذي مـن ابـن طرخـان وصنـف جـزءاً في أن عمل المولد في ربيع الأول بدعة‏.‏

وفيها في ذي القعدة مات الصاحب تقي الدين بن السلعوس بالقاهرة فجأة حج وسمع من القارون‏.‏

ومات القاضي جمال الدين أحمد بن محمد القانسي التميمي درس بالأمينية والظاهريـة وعمـل الإنشاء بدمشق‏.‏

وفيها في ذي الحجة مات الأمير نجم الدين البطاحي ولى أستاذ دارية السلطنة ومات أمين الديـن بـن البـص أنفـق أمـوالاً فـي بنـاء خـان المزيرب وفي بناء مسجد الذباب والمأذنة قيل أنفق في وجوه البر مائتي ألف وخمسين ألفا‏.‏

ومات بدمشق الأمير ركن الدين عمر بن بهادر وكان مليـح الشكـل وجـاء التقليـد بمناصـب جمال الدين ابن القلانسي لأخيه‏.‏